للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ركعة كما دل عليه الحديث-فرادى ورجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد، وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة لما ساغ ذلك، وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي لقوله:

﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ فبعده تفوت هذه الصفة، فإنه استدلال ضعيف، ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجوا بقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] قالوا: فنحن لا ندفع زكاتنا بعده إلى أحد، بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه، ولا ندفعها إلا إلى من صلاته أي دعاؤه سكن لنا، ومع هذا رد عليهم الصحابة، وأبوا عليهم هذا الاستدلال، وأجبروهم على أداء الزكاة وقتلوا من منعها منهم.

ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها. قال ابن جرير (١): حدثني المثنى، حدثني إسحاق، حدثنا عبد الله بن هاشم، أنبأنا سيف عن أبي روق، عن أبي أيوب، عن علي ، قال: سأل قوم من بني النجار (٢) رسول الله فقالوا: يا رسول الله، إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله ﷿ ﴿وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول، غزا النبي فصلى الظهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم أخرى مثلها في أثرها، قال: فأنزل الله ﷿ بين الصلاتين ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١] الآيتين، فنزلت صلاة الخوف.

وهذا سياق غريب جدا، ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت عند الإمام أحمد وأهل السنن، فقال الإمام أحمد (٣): حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقي، قال: كنا مع رسول الله بعسفان، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا رسول الله الظهر، فقالوا: لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال: فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر ﴿وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ﴾ قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله فأخذوا السلاح، قال: فصفنا خلفه صفين، قال: ثم ركع فركعنا جميعا، ثم رفع فرفعنا جميعا، ثم سجد النبي بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا، جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى


(١) تفسير الطبري ٤/ ٢٤٥.
(٢) في الطبري: «سأل قوم من التجار».
(٣) مسند أحمد ٤/ ٥٩ - ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>