للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» «١» . وَهَذَا عَامٌّ فِي الْهِجْرَةِ وَفِي جميع الْأَعْمَالِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، ثُمَّ أَكْمَلَ بِذَلِكَ الْعَابِدِ الْمِائَةَ ثُمَّ سَأَلَ عَالِمًا: هل له من توبة؟ فقال له، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ ثُمَّ أَرْشَدَهُ إِلَى أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ مِنْ بَلَدِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ جَاءَ تَائِبًا، وَقَالَ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ، فَأُمِرُوا أَنْ يَقِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا كان أقرب فهو منها، فأمر الله هذه أن تقترب مِنْ هَذِهِ، وَهَذِهِ أَنْ تَبْعُدَ فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا بِشِبْرٍ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ الْمَوْتُ نَاءَ بِصَدْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إليها.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يقول: «من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله، ثم قال «٣» : - وأين المجاهدون في سبيل الله- فَخَرَّ عَنْ دَابَّتِهِ فَمَاتَ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ لَدَغَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ مَاتَ حَتْفَ أنفه فقد وقع أجره على الله» - يعني بحتف أنفه على فراشه، وَاللَّهِ إِنَّهَا لَكَلِمَةٌ مَا سَمِعْتُهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ قُتِلَ قَعْصًا «٤» فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الجنة» .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ الخزامي، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: هَاجَرَ خَالِدُ بْنُ حِزَامٍ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فِي الطَّرِيقِ فَمَاتَ فَنَزَلَتْ فِيهِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، قَالَ الزُّبَيْرُ، فَكُنْتُ أَتَوَقَّعُهُ وَأَنْتَظِرُ قُدُومَهُ وَأَنَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَمَا أَحْزَنَنِي شَيْءٌ حُزْنَ وفاته حين بلغتني، لِأَنَّهُ قَلَّ أَحَدٌ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ قُرَيْشٍ إلا ومعه


(١) صحيح البخاري (إيمان باب ٤١) وصحيح مسلم (إمارة حديث ١٥٥) ومسند أحمد ١/ ٢٥) من طريق عمر بن الخطاب.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٣٦.
(٣) في المسند: «ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ والإبهام فجمعهن وقال: وابن المجاهدون ... » إلخ. [.....]
(٤) في المسند: «ومن مات قصعا» . وقعصه قعصا: طعنه بالرمح طعنا سريعا. وقتله مكانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>