للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ﴿وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً﴾ وهذا من باب الترغيب في اتباعه، لأنه إمام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له، فإنه انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه، كما وصفه به في قوله: ﴿وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى﴾ [النجم: ٣٧]، قال كثير من علماء السلف: أي قام بجميع ما أمر به في كل مقام من مقامات العبادة، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير، ولا كبير عن صغير وقال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: ١٢٤]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠]، والآية بعدها، وقال البخاري (١): حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون، قال: إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح، فقرأ ﴿وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً﴾ فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم.

وقد ذكر ابن جرير (٢) في تفسيره عن بعضهم: أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جدب، فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل، وقال بعضهم من أهل مصر، ليمتار طعاما لأهله من قبله فلم يصب عنده حاجته، فلما قرب من أهله قرّ بمفازة ذات رمل، فقال:

لو ملأت غرائري من هذا الرمل لئلا يغتم أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة، وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون، ففعل ذلك فتحول ما في الغرائر من الرمل دقيقا، فلما صار إلى منزله نام، وقام أهله ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا فعجنوا منه وخبزوا، فاستيقظ فسألهم عن الدقيق الذي خبزوا، فقالوا: من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك، فقال: نعم هو من عند خليلي الله، فسماه الله خليلا.

وفي صحة هذا ووقوعه نظر، وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يصدق ولا يكذب، وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه ﷿ له لما قام به من الطاعة التي يحبها ويرضاها، ولهذا ثبت في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري أن رسول الله لما خطبهم في آخر خطبة خطبها، قال: «أما بعد، أيها الناس فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا، لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله» وجاء من طريق جندب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن مسعود عن النبي قال: «إن الله اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا» وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة، حدثنا عبد الله الحنفي، حدثنا زمعة أبو صالح عن سلمة بن وهران، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جلس


(١) صحيح البخاري (مغازي باب ٦٠)
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>