وبعد توطيد الفتح ولى أبو عبيدة حبيبا أنطاكية ونواحيها، فغزا الجرجومة فلم يقاتله أهلها، ولكنهم بدروا بطلب الأمان والصلح، على أن يكونوا أعوانا للمسلمين، وعيونا ومسالح في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية، وأن ينفلوا أسلاب من يقتلون من عدو المسلمين إذا حضروا حربا في مغازيهم، ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الأنباط وغيرهم وأهل القرى في هذا الصلح؛ فسموا الرواديف، لأنهم تلوهم وليسوا منهم [٨] .
فتوحه:
وكان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة ويعوجون أخرى؛ فيكاتبون الروم ويمالئونهم [٩] .
ويذكر البلاذري أن حبيبا فتح قرقيسيا صلحا، وأنه لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام والجزيرة وجّه حبيب بن مسلمة إلى ملطية ففتحها عنوة، ورتب رابطة من المسلمين مع عاملها، وشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة وغيرها، فكانت طريق الصوائف [١٠] .
وكان حصن الحدث فتحه حبيب بن مسلمة أيام عمر بن الخطاب [١١] ، وفتح حصن زبطرة، وهما حصنان قديمان للروم [١٢] ، وإلى حبيب ينسب موضع (بطنان حبيب) ؛ لأن أبا عبيدة أو عياض بن غنم وجهه من حلب ففتح الحصن فنسب إليه [١٣] .
وفوده على عمر بن الخطاب في خلافته:
روى ابن عساكر من طرق أن حبيب بن مسلمة كان يلي الطائف على عهد عمر، ويبلغ عنه عمر ما يحب، ولم يثبته (أي الجيش) حتى قدم عليه في حجة، وكان تام القامة، فسلم على عمر، فقال له: إنك لفي قناة رجل، قال: إني والله وفي سنانها، وفي رواية أنه قال: إنك لجيد القناة، قال: وجيد سنانها، قال عمر: افتحوا له الخزائن فليأخذ ما شاء، ففتحوها له، فعدا عن الأموال وأخذ السلاح.
وفي رواية أخرى لابن عساكر أن عمر لما عزل عياض بن غنم عن الجزيرة ولى حبيب بن مسلمة وضم إليه أرمينية وأذربيجان، ثم عزله وولى عمير بن سعد الأنصاري وسعيد بن عامر بن خديم [١٤] .