ويتفرع عن هذه الدعوة إلى القومية دعوة إلى الوحدة، وقد أصبحت الوحدة شعارا رائجا في حياتنا المعاصرة، ولو رجعنا إلى ثقافتنا وتراثنا لم نجد مثل هذه الدعوة، وإنما هي بضاعة استوردناها مع مفهوم القومية الغربي، وبما أن الوحدة عندهم كانت تابعة لمفهوم القومية، فهكذا صارت عندنا وأصبحنا ندور في فلك الفكر الغربي حيث نستعمل اصطلاحاته وننتظر أن تحل بنا حتمياته وحتى لكأن خط التاريخ الغربي هو الخط الذي لابد أن تسلكه كل أمة وليس لها من دونه بديل! ويلاحظ أن شعار الوحدة أضحى شعارا خاليا من مضمون الإسلام بل أصبح يحمل محتوى القومية لأن الوحدة المقصودة إنما هي الوحدة القومية العربية، ولما كان مفهوم القومية بطبيعته فارغا فقد ملأه بالاشتراكية مما اضطرهم في النهاية إلى القول بوحدة الهدف بدلا من وحدة الصف، وهكذا سلكوا هذا الطريق الوعر الشاق لإبعاد مفهوم الإسلام بحجة الطائفية والأقليات والوطنية والقومية لينتهوا أخيرا إلى مفهوم فكري مستورد بديل من المفهوم الإسلامي، ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لم نجد دعوة للوحدة العربية ولا لغيرها، وإنما نجد دعوة إلى الاعتصام بحبل الله والاستمساك بعروته الوثقى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} ولا شك أن مفهوم هذه الآية يحقق الوحدة الإسلامية التي لا يمكن أبدا أن تتحقق بالجهد البشري. وهكذا كانت الدعوة إلى الوحدة دعوة إلى الفرقة أثارت النعرات والعصبيات والصراع الطبقي والقومي الذي مهد لإسرائيل أن تضرب ضربتها في الوقت المناسب دون أن تلقى مقاومة تذكر. بينما كانت الدعوة إلى الإسلام في الظاهر دعوة إلى تفريق القوم الواحد إلى قسمين مؤمنين وكافرين، كما كانوا يتحدثون عن القرآن فيقولون:(سحر يؤثر، يفرق بين المرء وأهله ومواليه) ، ولكنها في الحقيقة كانت دعوة للاستمساك والاعتصام بحبل الله والتي نتج عنها أعظم وحدة حقيقية عرفها التاريخ لأنها كانت وحدة قلوب قبل