فارغ يمكن ملأه بأي فكرة أخرى، ومن هنا نرى أن مصطلح (القومية العربية) الآن أصبح وعاءً للاشتراكية، ومازال بعض المسلمين والمحسوبون على الفكر الإسلامي يستعملون هذا المصطلح ويريدون أن يقولوا: إن محتواه هو الإسلام، ويظنون أن المصطلح مازال فارغا ويمكن ملؤه بالفكرة الإسلامية، وهؤلاء ولا شك واهمون لأنهم يستعملون (القومية) بمعنها اللغوي، بينما يستعملها الآخرون بمفهومها الغربي الذي يناقض الإسلام مناقضة كلية، والعوام الذين أصبحت الكلمة على أفواههم وفي متناول ألسنتهم لا يفرقون بين المدلولين، ويسقوهم (الطابور) الخامس الفكري لخدمة القومية العنصرية ومحتواها الاشتراكي، وهم يظنون أنهم ينصرون الإسلام ويجاهدون في سبيل الله، ويزيدهم خداعًا وتضليلاً موقف هؤلاء المحسوبين على الفكر الإسلامي، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أن هذا التقسيم القومي لا أساس له، وأن القرآن قسّم الناس إلى قسمين على أساس العقيدة لا أساس الجنس فهناك (الذين آمنوا)(والذين كفروا) وهناك (المسلمون) و (الكافرون) وتحت كل من النوعين يمكن أن يكون أقوام وأجناس مختلفة، ولكن العقيدة هي التي تجمعهم في كل الحالتين، وهكذا بدأت هذه الاصطلاحات تختفي من مجتمعنا بعد أن نعق غراب القومية في دار الإسلامي، وكان من نتائج هذه الدعوة الخبيثة أن تفتت دار الإسلام إلى قوميات متصارعة يقتل فيها المسلمون بعضهم بعضا خدمة للجاهلية وانتصارا للعصبية المنتنة.