ولو أخذنا مصطلحا آخر (القومية) الذي انتشر حديثا في بلادنا، وأصبح يدل على مذهب واتجاه، ويحمل مفهوما فكريا، هذا المصطلح لا وجود له في تاريخنا وثقافتنا، وإن كانت كلمة ((قوم)) موجدة في ثقافتنا وتراثنا، ولكنها لا تعني أكثر من مجموعة من الناس يرجعون إلى أصل واحد، ويعيشون حياة مشتركة، و (القومية) كمفهوم لم تظهر إلا مؤخرا وقد ظهرت في ألمانيا أولا وأخذت طابعا عرقيا معينا متميزا، عن بقية الأجناس البشرية، وصنفت القومية الألمانية القوميات الأخرى ووضعت لها سلما يتميز الناس على هذا الأساس العرقي، ثم انتشرت في أنحاء العالم، ويلاحظ بأن هذه الدعوة تركز على العرق والجنس دون العقيدة والاتجاه ومن هنا لا نجد لهذه الدعوة مجالا في الإسلام، وإنما نجد جذورها التاريخية تعود إلى الشيطان الذي امتنع من السجود لآدم لأنه خلق من طين بينما خلق هو من نار {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} وإذا كانت دعوى الشيطان صحيحة في الخلق دون الخيرية فدعوة هؤلاء ليست صحيحة في الخيرية ولا في الخلق لأن الناس خلقوا من أب واحد وأم واحدة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} ، وكونهم شعوبا وقبائل لا يغير من الواقع شيئا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وهكذا يبرز ميزان التفاضل الذي يقوم على التقوى والعمل الصالح، ويكون اختلاف الناس شعوبا وقبائل سبيل لتعارف والتقارب، ولا شك أن التميز العنصري الذي يسود العالم اليوم إنما هو نتيجة من نتائج الدعوات القومية، غير أن (القومية) في ذاتها لا تحمل مضمونا فكريا حقيقيا ولا مذهبا اجتماعيا معينا، وإنما هو وعاء