من حقك علي أن أخبرك أن الزمخشري في كشافه [١] قد قال في الاستفهام الوارد في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} قال ما يلي: "والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار) .
وتابعه على هذا الرأي أبو السعود في تفسيره [٢] فقال: " {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} تعجيب لرسول الله صلى عليه وسلم مما نطقت به الآيات الكريمة السالفة".
وأقول: يحكم على الاستفهام ويبين معناه بالنظر إلى جملته، وأي عجب في إرسال الله سبحانه وتعالى الشياطين على الكافرين تهيجهم إلى المعاصي وتغريهم بها إغراء، إن أحدا لا يستطيع أن يقول حقا إن في هذا عجبا.
وادعاء أن التعجيب قد كان بما جاء قبل همزة الاستفهام ادعاء غير سليم؛ لأن همزة الاستفهام لها الصدارة في جملتها، يستفهم بها عما بعدها ولا يستفهم بها عما قبلها.
وقد تقدم أن قلت إن الاستفهام في هذه الصيغة استفهام تقريري بمعنى الخبر.
أختي العزيزة هل:
أريد الآن أن أعود بك الآن إلى هذه الصيغة الاستفهامية:(ألم تر أن) لأحدثك بما جاء فيها من كلمات وما يتصل بتلك الكلمات:
(تر) في هذه الصيغة مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير المخاطب المستتر، والمخاطب في هذه الصيغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يصلح للخطاب.
و (تر) في هذه الصيغة بمعنى تعلم، فهو يتعدى إلى مفعولين، و (أن) التي تلت (تر) حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهي في الوقت نفسه حرف مصدري تؤول مع خبرها بمصدر في محل نصب يسد مسد مفعولي (تر) .