ولقد قصرت طاقة الدكتور مصطفى في نطاق الوحيين؛ فجاء عمله في هذا الكتاب كما قيل في شعر أبي تمام (كساحة الملوك فيه الذهب وفيه الخزف) .
فبينا هو يواجه القارئ بمثل هذا التقرير الجريء عن الله تبارك اسمه (لا يمكن أن يقال إنه فوق أو تحت أو عن يمين أو عن شمال، أو داخل أو خارج) . - ص ٨ - وأنه جلت صفاته (يتخلل كل شيء في حضور كامل.. - ص ٩ -) إذا هو - في ص ٣٥ - يقول:(وكما لا يصح أن نتصور علاقة الله بنا اتحادا فإنه لا يصح أن نتصورها حلولا..) إلى أن يقول في الصفحة نفسها: (ويبقى الله دائما في علاء مطلق وفي تنزيه وتجريد، فهو العلي المتعال، له الفردانية الكاملة المبرأة عن الحلول والاحتواء في الزمان والمكان..) .
وغير خاف أنه في الفقرتين الأوليين إنما يستمد من رواسبه الصوفية التي تنفي عن الخالق جهة العلو وتقول بأنه الموجود في كل الوجود، على حين يتنصل في الفقرتين الأخريين من ذلك المفهوم فيرفض كل مقررات الصوفيين، ويقر لربه بالعلو المطلق اللائق بجلاله سبحانه.
وإنه لتناقض لا مفهوم له سوى أن الرجل في صراع مستمر بين مواريث التصوف وموحيات الشرع والعقل.
- واستمع إليه ينظر إلى صفات خالقه من زاوية التمحل الإغريقي، فيفسر معنى (الصمد) بأنه (ساكن سكونا مطلقا – ص ٩ و١١ -) و (لا يتحرك ولا يتنقل ص٩) .
وإنما يقرر ذلك لما رسب في ذاكرته من تعريفات فلسفية تنفي عن الحق سبحانه كل ما يضاد السكون، لأنه بنظرهم خاص بالمحدثات التي يحتويها المكان، فانتقالها دليل حدوثها.