ولا ندري كيف يوفق بين هذه الظنون وبين الحقائق التي يحملها القرآن الخالد إلى قلوب المؤمنين، حيث يصف مُنْزِله نفسه عز اسمه بالمجيء {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} ٨٩/ ٢٢، وبالإتيان {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} ٢/ ٢١٠، والتي يفصلها الحديث الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم:"ينزل ربنا سبحانه وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.."[١] .
ومن هذا المنطلق يأتي نفي الدكتور صفة الكلام عن ربه تبارك وتعالى فيقول:(وهو المتكلم بدون حروف وبدون كلمات..- ص ١٢ -) ، يحدوه إلى ذلك الحكم الخاطئ ما ألفه في العادة من أن التكلم لا يكون إلا بلسان وشفتين، ناسيا أن سبحانه ليس كمثله شيء، وأنه في زمان أصبح يسمع فيه الكلام من شريط لا شفة له ولا لسان..
ولو هو قد عاد إلى قلبه لأنكر إنكاره؛ إذ يعلم أن في نفي الحرف والكلمة عن كلام الله نفيا للقرآن نفسه، الذي يتألف من الحروف والكلمات، والذي يقرأ فيه قوله تعالى:{حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} – ٩/ ٧، و {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} – ١٨/ ١٠٩.
ولقد تأخذه الشطحات حتى يدخل في متاهات أصحاب وحدة الوجود الذين ينكرون عمل الإنسان وأعيان الموجودات، (فليس في الدنيا سوى الله، الوجود هو الله وأفعاله ولا غير - ص ٤٢-) و (الزاهد الموحد) – بنظره - هو الذي تتلاشى من مداركه صور الأشياء حتى (لا يرى في أي شيء سوى الله وفعل الله – ٥٦/ ٥٧) .