وهكذا يمضي الدكتور في معميات الطرقيين يردد مزاعمهم حتى ليسوقه ذلك إلى الوقوع في أوهام صوفية النصارى الذين يصفون ربهم بأنه (محبة) ؛ فيصفه تعالى بأنه قوة - ص ٦٤ - وقد غفل عن كون القوة كالمحبة اسم معنى لا وجود له إلا في الذات الموصوفة به، كعطف الأم على ولدها نسميه حبا، وهو أثر من المحب لا قيام له إلا به.. وغير بعيد عن ذلك اعتباره نحل النصرانية على اختلافها (متفقة على توحيد الله، رغم قولهم بثالوث الأب والابن وروح القدس - ٧٩ -) .
فلقد تلاشت في منظور الدكتور حدود الأشياء حتى لا يفرق بين التوحيد والشرك، وما أحسبه إلا قرأ قصة فولتير يوم أن تلقى أول درس في عقيدة التثليث على يد القس الجزويتي، الذي حاول إقناع تلاميذه الصغار أن الثلاثة واحد، فلما ترك الفصل لمدرس الحساب، جعل هذا يدربهم على جمع الأعداد، ثم جعل يختبر فهمهم للدرس فسأل فولتير: واحد زائد واحد؟. فأجاب فولتير: إنهما اثنان، فقال الأستاذ فإذا أضفنا إليهما ثالثا، أجاب الصغير: يصبح الثلاثة واحدا.. ويكرر الأستاذ السؤال مستعينا بوسائل الإيضاح، فلا يغير فولتير من جوابه.. وحينئذ لم يجد المدرس بدا من توبيخه؛ فصرخ: يا حمار!، ولكن الصغير رد بقوة: الحمار يا أستاذ هو القس الذي أرادنا على الإيمان بأن الثلاثة واحد..
أما أنا فألمح في مسلك الدكتور آثار الرواسب الصوفية التي تصرفها الشطحات عن تبين الحدود، فلا ترى أي فرق بين الكلام كما أنزله الله، والديانات التي شوهها المحرفون، فإذا العقائد جميعها في مفهوم القوم، كما ينادي بذلك كبيرهم ابن عربي في قوله: