ومن الرواسب الأخرى التي يعاني الدكتور مصطفى من عقابيلها ما استقر في تفكيره من نظريات النشوء والارتقاء.. فقد بدا لي أنه مأخوذ بكل ما تنطوي عليه من حق وباطل، فهي بالنسبة إليه (قالب تفكير) لا يسعه مفارقته قيد أنملة.. وبدافع من ذلك نراه يجهد عقله لتحويل مدلولات الآيات القرآنية المتصلة بقضية الخلق، إلى توكيد كل ما يتعلق بمقولات الداروينيين في هذا الصدد، ولو اضطر من أجل ذلك إلى رفض كل مفهومات السلف من مفسري الكتاب الحكيم، وإلى تجاهل كل البحوث التي ألفها أساطين العلماء شرقيين وغربيين، في نقض تلك النظرية..
ولعلي لا أجانب الواقع إذا قلت إن وقوفه عند ترديد هذه الأقاويل، التي استنفدت أغراضها في الأوساط العلمية يمت بصلة وثيقة إلى المؤثرات الماركسية السابقة، فهو على الرغم من كفره بتلك الصلة، والحرب الشعواء التي يشنها على دعاتها، لم يستطع التخلص من سلطانها على أفكاره، وبخاصة في معارضته للدعوة التي تملأ مصر هذه الأيام إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم في مفهوم التطور الذي تقوله الماركسية بشموله المطلق لكل شيء دون استثناء..
وقد سبق أن ناقشنا الدكتور مصطفى في الجانب الأول أثناء تلاقينا في مدينة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وفي ترجمتنا له ونقدنا لأفكاره في كتاب (علماء ومفكرون عرفتهم) ، وعلى الرغم مما ألفنا لديه من حسن تفهم لخصائص الحكم الإسلامي، لا يبرح جاثما على موقفه المتنكر أو المتردد.. وهو موقف ناشئ عن ارتباطه المنهجي بتلك المؤثرات الخلفية، التي تفرض عليه الظن بأن التطور الشامل لكل تحرك حضاري منظور، لا يمكن أن يفقد سلطانه بإزاء الوحي الذي تعهد الله سبحانه بحفظه كما أنزل وإلى الأبد.
وقد أدى ارتباط الدكتور مصطفى بهذا المنهج إلى ألوان من الشطط برزت في الكثير مما يكتب ويحاضر.