ففي الجانب السياسي لا يستطيع أن يصدق أن نظام الإسلام يمكن أن يحقق مهمته في إصلاح الأوضاع البشرية، بعد ذلك الانحراف الكبير الذي أحدثه التطور المستمر في هذه الأوضاع.. وقد فاته - وهو الطبيب - أن العمل الواجب نحو المريض هو تداركه بالعلاج الصحيح بالغا ما بلغ ثمنه وزمنه.. وأن حرمانه من هذا العلاج توقعا لشفائه عن طريق التطور، لن يزيده إلا إمعانا في البلاء واقترابا من النهاية.. فخير لمصر إذن أن تبدأ بالعلاج الصحيح فورا دون تأخير، رحمة بنفسها وبالعالم الإسلامي، ومن ثم بالمجموعات البشرية التي فقدت صمام الأمان في كل مكان.
وإيمانه بعدم محدودية التطور على مذهب الماديين هو الذي ساقه إلى تبني نظرياتهم المتهافتة في موضوع نشوء الشعور الديني، فراح يؤكد مزاعمهم بمثل قوله:(.. أدرك الإنسان البدائي بوجدانه أن روحه في حاجة إلى عقيدة يأوي إليها..) لكنه (لم يستطع أن يعرف حقيقة الإله المعبود من أول وهلة..)(فظن أباه الميت هو الله فعبده وذبح له..) ، ثم تطورت عبادة الأسلاف لتصبح عبادة لله - ٦١ و ٦٢-) ، وينتهي من ذلك إلى القطع بأن (أول خطوة نحو توحيد حقيقي.. هي التي حققها إخناتون نبي الفراعنة بحق - ٦٣-) ، ويبقى عليه أن يحدثنا عن موقف الإسلام من ذلك فيقول: من هنا تأتي فكرة الإسلام عن الله الواحد الأحد المتعال الذي ليس كمثله شيء؛ لتكون الذروة والخاتمة لذلك التجريد الخالص - ٨١ -) .
فهو إذن يقرر جازما أن الدين حاجة وجدانية خضعت لسلسة من التجارب والتطورات صارت بها إلى دائرة التوحيد في مرحلة متأخرة، وكان أول المحققين لها إخناتون – ملك مصر العليا والسفلى - تماما على النحو الذي يسلكه من يسمونهم علماء الاجتماع في الغرب، والدائرين في فلكهم من أبناء المسلمين..