ولا تفسير لذلك سوى الغرور الذي صرف هؤلاء وأولئك عن نور الوحي إلى زخرف القول، فأعرضوا عن نبأ السماء الذي لا يأتيه الباطل، إلى محض الظن وما تهوى الأنفس.. وإلا كيف يسمح مسلم لنفسه بالجري وراء هذه الأوهام وهو يقرأ في كتاب ربه أن أول إنسان هو أول نبي، وأن معرفة الله وتوحيده هما الأمانة التي حملها كل نبي إلى قومه تحقيقا للوعد الإلهي الذي تلقاه آدم في قول الحكيم العليم:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} ٢٠/ ١٢٣، ١٢٤، وإنه لوعد صريح الدلالة بأنه تعالى مزود ذرية آدم على الدهر بالرسالات التي لا يضل المستضيء بها طريق الحق أبدا، وإنما يتسرب الزيغ إلى الإنسان من مفارقته حقائق الوحي إلى مغريات الشيطان الذي أقسم من يومه الأول ألا يدخر وسعا لإفساد عقيدة الإنسان الذي كرمه الله عليه.
ولا جرم أن مجرد التسليم لأوهام القائلين بسبق الوثنيات لأصول التوحيد إنما هو إنكار لمحكمات القرآن الذي يقرر - كما أسلفنا - أن أول إنسان هو أول داع لحقائق الإسلام.
وإنا لنربأ بالدكتور مصطفى محمود - وقد أخرجه الله من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان - أن يستمر على الثقة بأولئك الخراصين الذين يقول ربنا في أمثالهم {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} – ١٨/ ٥١.