ومرة أخرى نذكر بعلاقة هذه الأوهام بمزاعم داروين وماركس؛ إذ ان مجرد الإيمان بتنقل الحي خلال مراحل التطور من محض المادة إلى الخلية الحية، إلى التركيب الأعلى الذي صار إليه الإنسان، كاف لقبول كل طرح فكري ينطلق من منافذ الظن، الذي هو أكذب الحديث.. وفي هذه الحال لا يبقى مجال للقول بأب واحد للبشر كما يعلن البلاغ الإلهي، بل لابد من القول بأصول متعددة لأجناس بشرية متعددة، فلا آدم، ولا حواء، وبالتالي لا أخوة إنسانية ولا رسالة إلهية، فلا وحي ولا دين، وإنما الدين - كزعم فرويد - (نوع من التسامي بغريزة جنسية، كانت كراهية للأب فاستحالت مع التطور شكلا ظاهريا من التكفير عن الذنب بحب لا يلبث أن يتحول إلى عبادة - ص ١٠٩ -) .
وطبيعي أن تصورا كهذا لا يتسع للإيمان بوجود الخالق الحكيم، ولا يسوغ القول بالميراث السماوي الذي يحدد المسيرة العليا للنوع البشري عن طريق النبوة، وأنا لا أسمح لقلمي باتهام الدكتور مصطفى بالانصياع لهذا الاتجاه المظلم عن سابق تصميم، معاذ الله! فأنا لا أزال على حسن الظن به على الرغم من إصراره على السير وراء أولئك الأفاقين، إلا أنني أصور المسلك الذي تورط فيه كما هو الواقع، ومن قبل صور لنا الله - تقدست كلماته - واقع أناس قالوا كلمة الكفر، فلم يشفع بهم مجرد انتسابهم إلى مجتمع الإسلام.
على أن ثمة زلة لا تقل وزنا عن هذه الطامات في كتاب الدكتور.. وذلك في زعمه نبوة إخناتون.. وهو قول عجيب يذكرنا بمفهوم النبوة في (العهد القديم) ، حيث نراها ضربا من السمو الفكري المكتسب، فلا وحي ولا عصمة، بل إن النبي في ذلك (العهد) لا يترفع عن اقتراف أدنى الدنايا.. وأعجب من ذلك وصفه إياه بأنه (نبي الفراعنة بحق - ٦٣ -) على حين لا يلبث أن ينسب إليه الضلال في أخص خصائص العقيدة فيقول: (إخناتون يخطئ في تصوره لله) ؛ إذ يزعم أنه (ابن الله الذي ولد من صلبه – ٨٣ -) .. تعالى الله عما يقول الظالمون..