ومن ذلك الحين سعيت إلى أن أتعلم من الإسلام كل ما أقدر: لقد درست القرآن الكريم، وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، لقد درست لغة الإسلام، وتاريخ الإسلام، وكثيرا مما كتب عنه، أو كتب في الرد عليه، وقد قضيت أكثر من خمس سنوات في الحجاز ونجد، وأكثر ذلك في المدينة؛ ليطمئن قلبي بشيء من البيئة الأصلية الذي قام النبي العربي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة إليه فيها، وبما أن الحجاز ملتقى المسلمين من جميع الأقطار، فقد تمكنت من المقارنة بين أكثر وجهات النظر الدينية والاجتماعية التي تسود العالم الإسلامي في أيامنا، هذه الدراسات والمقارنات خلقت فيَّ العقيدة الراسخة بأن الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية، لا يزال بالرغم من جميع العقبات التي خلفها تأخر المسلمين، أعظم قوة نَهّاضة بالهمم عرفها البشر.
وهكذا تجمعت رغباتي كلها منذ ذلك الحين حول مسألة بعثه من جديد.
من كتاب (الإسلام على مفترق الطرق)
للمستشرق النمساوي المسلم (محمد أسد)
تعليق التحرير:
تلك كلمات رائعة صاغها الأستاذ محمد أسد، ذلك الرجل الذي شرح الله صدره للإسلام، فأصبح - بفضل الله ورحمته - على نور من ربه، وعبر بها عن شعوره عن هذا الدين العظيم، وحاول أن يضمنها سبب اعتناقه للإسلام، وأخذ يتلمس ما استهواه منه حتى دخل حماه، ولكنه لم يبلغ ما يريد من ذلك إلا أن يصور الإسلام بناء مجموعا، عجيبا متراصا، تام الصنعة، لا نقص فيه، بل إن أجزاءه يتم بعضها بعضا، وقد وضع كل منها في موضعه فتكون ائتلاف متزن مرصوص.
وقد ذكر الأستاذ محمد أسد أن هذا الدين هبط عليه كاللص الذي يهبط المنزل في جوف الليل ثم استدرك فقال:"ولكن لا يشبه اللص لأنه هبط علي ليبقى إلى الأبد".
والذي أفهمه من تعبيره أنه يريد أن يقول قد تسلل إلى قلبه فجأة - دون سابق إنذار - فاحتله، وسكن في جنباته، فاطمأن اطمئنانا يبقى معه مدى حياته.