ولو أن العبد علم الأسماء الحسنى - جل وعلا - وعرف معنى كل اسم من هذه الأسماء وما يتضمنه من المعاني السامية، وملأ بها قلبه؛ لاستغنى بهذه الأسماء الكريمة عن التوجه إلى غير الله تعالى يستجديه ويلتمس عنده قضاء ما لا يقوى عليه إلا الله عز وجل، ولصار الناس جميعا – أمام ناظريه – سواء كأسنان المشط، لا لفضل لعربي منهم على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى؛ إذ هم مثله جميعا عبيد لله رب العالمين.
ومن ثم رأيت أن أتم ما بدأت ذكره مما ورد به النص من أسماء الله الحسنى، ملقيا بعض الأضواء على شيء من معانيها بقدر ما ييسر الله تعالى لي، وذلك فيما يلي:
الحيّ:
هو اسم من أسماء الله جل وعلا، يتضمن تفرده بصفة الحياة الأبدية التي لا تنتهي، والتي تشمل جميع صفات كمالاته الذاتية؛ بمعنى أن اسم (الحي) يفيد دوام الحياة لله سبحانه، وأنه تعالى الحي في نفسه الذي لا يموت أبدا [١] ، وقيل: الحي معناه: الباقي، وقيل: الذي لا يزول ولا يحول، وقيل: المصرف للأمور والمقدر للأشياء، وقال الطبري عن قوم أنه يقال: حي كما وصف نفسه، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه [٢] ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله (الحي) أي حي لا يموت [٣] .
وقد ذكر شيخ الإسلام فخر الدين الرازي: واعلم أنه تعالى إنما تمدح بكونه حيا، لأن مراده منه كونه حياً لا يموت، ألا ترى أن الحي الذي يجوز عليه الموت حكم عليه بأنه ميت؟ قال تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(الزمر آية ٣٠)[٤] .
أقول: وتسمية نفسه سبحانه باسم (الحي) يفهم منه - وهو جل وعلا دائم الحياة وآثار حيلته منبثة في كل ما خلق - أنه تعالى مصدر حياة كل كائن حي، فهو سبحانه يبدؤها له من حين يشاء، وينهيها منه حين يشاء.