أقول: ومن ثم فإن اسم (الحي) - وهو من أسماء الله تعالى الحسنى - يتضمن معنى تفرد الله - عز وجل - بالبقاء الدائم الذي لا فناء معه على الإطلاق، فمن علم أنه هكذا، وأنه يتضمن جميع صفات الكمال الذاتية، وآمن أن الله تعالى وحده هو مصدر كل حياة؛ فإنه لابد أن يجعل اللجأ إليه وحده سبحانه، ضارعا إليه أن يرزقه الحياة الطيبة التي يحس فيها بسعادة العيش، حياة الجسم المعافى من كل داء، وحياة القلب المعافى من كل سوء.
القيوم:
هو من أسماء الله تعالى، ورد بصيغة المبالغة على وزن (فيعول) من قام، يقوم بمعنى يدوم، والقيوم: الدائم، وكان من قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:{الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[١١] .
يقول الرازي: إن القيوم مبالغة من القيام، وكمال المبالغة إنما عند الاستغناء به عن كل ما سواه، وافتقار كل ما سواه إليه؛ فثبت بهذا البرهان أنه سبحانه هو (القيوم) الحق بالنسبة إلى كل الموجودات [١٢] .
ويقول: إن تأثيره - سبحانه - في غيره بالإيجاد، والموجد بالقصد والاختيار لابد وأن يكون متصورا ماهية ذلك الشيء الذي يقصد إلى إيجاده، فثبت أن المؤثر في العالم فعال درّاك، ولا معنى للحي إلا ذاك، فثبت أنه سبحانه حي، فلهذا قال:{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، دل بقوله:{الْحَيُّ} على كونه عالما، وبقوله:{الْقَيُّومُ} على كونه قائما بذاته، مقوما لغيره، ومن هذين الأصلين تتشعب جميع المسائل المعتبرة في علم التوحيد [١٣] .
ويقول: واعلم أنه لما ثبت كونه سبحانه قيوما، فهذه القيومية لها لوازم، ويجملها في خمس، أوجزها فيما يلي:
اللازمة الأولى: أن واجب الوجود واحد، وهو الله تعالى، بمعنى أن ماهيته غير مركبة من الأجزاء، إذ لو كانت كذلك لافتقرت إلى كل جزء منها، وكل جزء غيره سبحانه، والمركب متقوم بغيره، فلا يكون إذا متقوما بذاته، ولا مقوما لسواه، ومن ثم لا يكون على الإطلاق قيوما.