وروى الإمام أحمد عن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبزى وعائشة أم المؤمنين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وزادت عائشة: والمعوذتين) .
بل ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الصلاة بسورة الأعلى؛ فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "هلا صلَّيت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ) .
أقول: مما أسلفت يتبين أن اسم (الأعلى) - وقد سبق بالأمر بتنزيه ربنا تعالى أو اسمه، بمعنى الإقرار بجميع صفات كماله، وإبعاده عن جميع صفات النقص - يدل على أهمية قضية توحيد الله عز وجل في مناسبات عديدة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم.
أقول: وقد سبق اسم (الأعلى) في هذه الآية بيان أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ما كان يبذل ماله ليكافئ من أسدى إليه معروفا، فيكون إعطاؤه إياه مقابل معروفه، وإنما كان بذله ابتغاء وجه ربه الأعلى، طاعة له ليزكي نفسه وماله؛ بمعنى أنه - رضي الله عنه - إنما كان يتصدق مبتغيا بصدقته وجه الله تعالى خالصا، لا ليجازي بصدقته صاحب نعمة عليه.
ومن هذا يتبين لنا أن اسم (الأعلى) قد سبق بإقرار قضية التوحيد بإخلاص العمل لله تعالى وحده، دون أن يكون لأي من البشر فيه نصيب.
وقد ذكر الإمام الشوكاني في معنى الآية المذكورة: أنه ليس لأحد من الناس عنده نعمة من شأنها أن يجازي عليها حتى يقصد بإيتاء ما يؤتي من ماله مجازاتها، وإنما لا يؤتي إلا لابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة [٤٧] .