أقول: وقد سبق الاسمان الكريمان (الغني الحميد) في هذه الآية الكريمة بأمر الله تعالى لنا بأن نعلم أن الله تعالى (غني حميد) ، فهو المتصف بالغنى المطلق، والمستحق للحمد المطلق، وذلك بعد أن أمر المؤمنين - في الآية ذاتها - أن ينفقوا من طيبات ما كسبوا ومما أخرج الله تعالى لهم من الأرض، وأن لا ينفقوا من الخبيث، إذ إنهم لا يقبلون أخذه إلا تساهلا وتجاوزا عن بعض حقوقهم، ومع أمر الله لهم إلا بالإنفاق من الطيبات، فالله غني - على الإطلاق - عن إنفاقهم، ومستحق للحمد على كل ما أمر وفعل.
وقد ذكر الإمام ابن كثير في معنى قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أن الله تعالى وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها، فهو غني عنها، وما ذلك إلا ليساوي الغني الفقير، كقوله تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ، وهو غني عن جميع خلقه، وجميع الخلق فقراء إليه، وهو واسع الفضل، لا ينفذ ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب، فليعلم أن الله غني واسع العطاء، كريم جواد، وسيجزيه بها، ويضاعفها له أضعافا كثيرة، فالذي يقرضه غير عديم ولا ظلوم. وهو سبحانه الحميد أي المحمود في جميع أفعاله، وأقواله، وشرعه، وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه [٥٣] .