أقول: ولو أن العبد علم أن من أسماء الله تعالى (الغني) ، وأن خزائنه ملأى لا تنقص ولا تنفذ، لجرد كل اعتماده عليه سبحانه، ولما طلب مددا من غيره جل شأنه، ولما لجأ إلى ما يزين له الشيطان من الاستمداد من الأحياء، والموتى، بل ومن الجمادات، لأن الله - وحده - هو الذي يملك أن يمد بكل أنواع الإمدادات، وقد أشار سبحانه إلى هذا في قوله:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح آية ١٠- ١٢)
أقول: وقد سبق الاسمان الكريمان (الغني الحميد) ببيان قول رسول الله موسى عليه السلام - وهو من أولي العزم من الرسل - أنه لو كفر قومه وهم بنو إسرائيل، وكفر الناس جميعا؛ فإن كفرهم لن يضر الله شيئا، فهو سبحانه الغني غنى مطلقا عن خلقه جميعا، المحمود على كل أوامره وأفعاله.
وقد قال الإمام ابن كثير في بيان هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى هو غني عن شكر عباده، وهو الحميد المحمود وإن كفره من كفره كقوله تعالى:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ..} الآية، فسبحانه وتعالى الغني الحميد [٥٤] .
وقد قال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: أي إن تكفروا نعمته تعالى أنتم وجميع الخلق ولم تشكروها، فإن الله سبحانه {الْغَنِيُّ} عن شكركم لا يحتاج إليه، ولا يلحقه بذلك نقص {الْحَمِيدُ} أي مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه، وإن لم تشكروه، أو يحمده غيركم من الملائكة [٥٥] .