وقد قال الإمام ابن كثير في معنى هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى آتى لقمان [٥٨] الفهم، والعلم والتعبير، والفقه في الإسلام، ولم يكن نبيا ولم يوح إليه، وأمره بشكره على ما آتاه من الفضل الذي خصصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه، وأن الشكر يعود نفعه على الشاكرين، أما الله تعالى فليس بحاجة إلى العباد، ولا يتضرر ولو كفر أهل الأرض جميعا، فإنه الغني عما سواه، فلا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه [٥٩] .
مما سبق يتبين أن اسم (الغني) جاء في أغلب الآيات بعد إقرار قضية توحيد الله عز وجل.
وقد ورد اسم (الغني) مقترنا باسم (الحليم) سبحانه مرة واحدة [٦٠] :
أقول: واقتران الغني بالحليم أفهم منه أنه سبحانه مع غناه المطلق الذي لا يحتاج به إلى أحد من خلقه؛ فإنه حليم عليهم حين يعصونه، والمعهود في عرف الناس أن الغني منهم - وغناه محدود - لا يحلم على عبده لو عصاه، لكن الله جل وعلا - وله المثل الأعلى - مع غناه المطلق حليم بعباده العاملين.
وقد سبق هذان الاسمان الكريمان ببيان أن المنفق إذا أتبع صدقته بالقول الطيب والغفران - لأنه ينفق ابتغاء وجه الله الذي لا توجه العبادة إلا له وحده سبحانه - فإن ذلك يكون خيرا له من اتباعه إنفاقه بما يؤذي من أعطاه، ولا يتأتى القول الطيب والمغفرة إلا من المنفق المؤمن الموحد الذي يؤمن بأن الذي أعطاه ما ينفق منه إنما هو ربه (الغني) الذي لا ينفد عطاؤه، ومن ثم خرج كلامه طيبا، من قلب طيب، عل لسان طيب. ورغم ذلك فإن صدر منه خطأ - وكل بني آدم خطاء – وجد أن الله (الغني) هو سبحانه (الحليم) الذي يتجاوز عن مثل خطئه لدوام رجوعه إلى ربه وتوبته.