أقول: واقتران (الغني بالكريم) أفهم منه أنه سبحانه مع غناه المطلق عن خلقه، فهو الكريم كرما مطلقا لا يسلب عباده الذين يعصونه نعمه التي تفضل بها عليهم إلا بعد أن يذكروا ويوعظوا ويبين لهم، فإذا نسوا ما ذكروا به بعد توالي نعمه سلبهم ما أعطاهم بأخذه بغتة كما يقول تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}(النعام آية ٤٤) .
والمعهود في عرف الناس أن الغني منهم إذا عصاه عبده سلب منه ما أعطاه عاجلا؛ إذ يضيق صدره بعصيان عبده إياه، فيرى في لحظة عصيانه أنه لا يستحق خيره وعطاءه، فيسارع إلى استعادة ما أعطاه، لكن الله جل وعلا - وله المثل الأعلى - في غناه المطلق، واسع الكرم لا يسلب عباده العاصين بمجرد عصيانهم نعمه، بل يمهلهم - دون إهمال - بل قد يزيد في الإنعام عليهم، فإذا ما ظلوا في غيهم سادرين أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وقد ذكر الإمام ابن كثير في بيان قوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} أي هو غني عن العباد وعبادتهم، كريم في نفسه وإن لم يعبدوه، فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد، وهذا كما قال موسى عليه السلام:{إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}[٦٣] .