وذكر الإمام الشوكاني أن الشكر لا ينفع إلا الشاكر، {وَمَنْ كَفَرَ} بترك الشكر {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عن شكره، {كَرِيمٌ} في ترك المعاجلة بالعقوبة بنزع نعمه عنه وسلبه ما أعطاه منها [٦٤] .
أقول: وبهذه المناسبة أود أن أذكر أن الله (الغني) سبحانه، يحتاج إليه كل خلقه صغر أم كبر، إنسيا أم جنيا، طيرا أم زاحفا، وحشا أم مستأنسا، فالكل فقير في أمس الحاجة إلى فضل ربهم (الغني) سبحانه وتعالى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال:(خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تستقينا، وإما أن تهلكنا؛ فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم) .
فهذه نملة هداها الله إلى أن تدعوه وتقول: ليس بنا غنى عن رزقك. فاستجاب الله تعالى لدعائها، وسقى قوم سليمان بدعاء النملة كما ذكر سليمان لهم:(ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم) .
أقول: فلو أن الإنسان - الذي كرمه الله تعالى وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا - علم أن خالقه سبحانه هو الغني الذي بيده وحده كل الخير، وواسع الفضل، وآمن بأنه لا يدعى ولا تطلب النعم إلا منه جل وعلا، لاطمأن قلبه من فزع الجوع وخوف الفقر، ولسلب أموره التي فوضها للعباد، وأدعيته التي وضعها بين أيديهم، ليضعها في يد خالقه الغني رب العالمين، الذي يقدر وحده أن يمده بما شاء من فضله، إذ إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وقد ورد اسم (الغني) مقترنا بما وصف به نفسه تعالى بقوله {ذُو الرَّحْمَةِ} مرة واحدة [٦٥] في القرآن الكريم: