أقول: واقتران اسم (الغني) في هذه الآية بقوله تعالى: {ذُو الرَّحْمَةِ} أفهم منه أنه تعالى مع غناه المطلق الذي لا يحتاج به إلى واحد من خلقه، والذي به ينعم بما يشاء من النعم على خلقه، فهو تعالى رحيم بمن عصاه من خلقه، لا يعاجلهم بعقوبته فور عصيانهم، كما نرى المعهود بين الناس - ولله المثل الأعلى - فالغني منهم إذا عصاه عبده سرعان ما يوقع به عقوبته، محاولا أن يجعلها تناسب جرمه، لكن الله جل وعلا واسع الرحمة يمهل عباده العاصين لعلهم يرجعون إليه ويتوبون، وفي هذا يقول سبحانه:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}(النحل آية ٦١) .
وقد ذكر الإمام ابن كثير في بيان قوله تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} إلى قوله {قَوْمٍ آخَرِينَ} أنه الغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه، وهو مع ذلك رحيم بهم، فإن شاء أذهبهم إذا خالفوا أمره، ويستخلف من بعدهم ما يشاء من قوم آخرين يطيعونه، كما أذهب القرون الأولى وأتى بمن بعدها، كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بغيرهم، كما قال تعالى:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[٦٦] .