وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: وربك الغني عن خلقه لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم، لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم، ومع كونه غنيا عنهم؛ فهو ذو رحمة بهم لا يكون غناه مانعا من رحمته لهم. وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه، وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة في هذا المقام، فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم، هي غاية التفضل والتطوّل، إذ لو شاء لاستأصل العصاة بالعذاب المفضي إلى الهلاك، ويستخلف من بعد إهلاكهم ما يشاء من خلقه ممن هو أطوع له وأسرع إلى امتثال أحكامه منهم؛ مثل ما استخلف غيرهم الذين أنشأهم من ذرية قوم آخرين أهلكهم - قيل: هم أهل سفينة نوح - ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلم يهلكهم، ولا استخلف غيرهم رحمة لهم، ولطفا بهم [٦٧] .
وقد ورد اسم (الغني) سبحانه في القرآن الكريم دون أن يقترن بغيره من أسماء الله تعالى الحسنى خمس مرات [٦٨] : على ما يلي:
أقول: وقد سبق اسم (الغني) سبحانه في هذه الآية الكريمة ببيان وجوب أداء حج بيت الله الحرام لكل من يستطيع السبيل لبلوغه، وإبراز أن الحج إنما هو لله وحده، واعتبر المستطيع الذي يتقاعس عن أداء هذا الركن من أركان الإسلام كافرا، وكفره عليه، فلن يضر الله به شيئا، إذ إن الله غني عنه وعن عبادته وعن العالمين جميعا، وتجريد العبادة لله وحده هو من توحيده سبحانه.