للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال الإمام ابن كثير في بيان قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} : إن من جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه. وروى سعيد بن منصور عن عكرمة قال: لما نزلت: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} قالت اليهود: فنحن مسلمون، قال الله عز وجل: فأخصمهم فحجهم، يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض على المسلمين حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا"، فقالوا: لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا، قال الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [٦٩] .

وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: قيل إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه، وقيل المعنى: ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا، وقيل: إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر، وما شرع الله تعالى لعباده هذه الشرائع إلا لنفعهم ومصلحتهم، وهو - تعالى شأنه وتقدس سلطانه - غني لا تعود إليه طاعات عباده بأسرها بنفع [٧٠] .

٢- وفي قوله تعالى: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت آية ٦) .

أقول: وقد سبق اسم (الغني) سبحانه في هذه الآية ببيان أن جهاد الإنسان - وهو عبادة عدت ذروة سنام الإسلام – لا ينفع سواه، وهكذا شأن كل أعماله، ولا ينفع الله شيئا، فهو سبحانه غني عن كل العالمين، ويتبين أن ذكر العبادة التي تجرد لله تعالى - وهذا من توحيده - سبق ذكرها اسمه (الغني) سبحانه وتعالى.

وقد ذكر الإمام ابن كثير في بيان هذه الآية الكريمة: أن من جاهد فإنما يعود جهاده على نفسه، فإن الله غني عن أفعال العباد، ولو كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيء [٧١] .