أقول: وقد سُبق اسم (الغني) سبحانه في هذه الآية الكريمة ببيان نوع من أنواع العبادة وهو الإنفاق، وأنه لا يكون مقبولا إلا إذا جرد لله تعالى وحده، وأن الذي لا يكون موحدا بالله ومؤمنا بأسمائه الحسنى وصفات كماله العليا - ومنها أنه الغني وغناه مطلق لأنها نهاية له - فيبخل بالإنفاق خالصا لوجهه تعالى، فإنما يقع ضرر ذلك عليه وحده، ولا يضر الله شيئا، لأنه سبحانه هو الغني وخلقه هو الفقراء إليه، وإن استمروا على عدم توحيدهم مدبرين فإن الله قادر على أن يذهبهم ويأت بأقوام غيرهم آخرين يعرفون الله تعالى ويخلصون له توحيده وأعمالهم.
وهذا يستفاد منه أن توحيد الله عز وجل في غاية الأهمية، وفاقده على خطر عظيم.
وقد قال الإمام ابن كثير في بيان الآية الكريمة: إن من يبخل أضاع على نفسه الأجر وعود الوبال عليه، والله الغني عما سواه، وفقير إليه ما عداه، ولذا قال تعالى:{وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} أي بالذات إليه فوصفه بالغنى، ووصف الخلق بالفقر لازم لهم لا ينفكون عنه، كما ذكر تعالى أنهم إن تولوا عن طاعته واتباع شرعه استبدل قوما غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم، ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره [٧٧] .
وقال الإمام الشوكاني في بيان الآية ذاتها: إنكم أيها المؤمنون تدعون لتنفقوا في الجهاد وفي طريق الخير فمنكم من يبخل بما يطلب منه ويدعى إليه من الإنفاق في سبيل الله، وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال، ثم بين سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس بمنعها الأجر والثواب ببخله، فإن الله هو الغني المطلق المتنزه عن الحاجة إلى أموالهم، وأنتم الفقراء إلى الله وإلى ما عنده من الخير والرحمة، وأنكم إن تعرضوا عن الإيمان والتقوى يستبدل قوما آخرين يكونون مكانكم أطوع لله منكم ثم لا يكونوا أمثالكم في التولي عن الإيمان والتقوى [٧٨] .