إن للعز أسبابا، وللذل أسبابا، وسنن الله ثابتة لا تتبدل ولا تتحول ولا تخضع لأماني الناس وأحلامهم، والله لم يدع لأحد حجة بعد الهدى والبيان؛ فما من سبب من أسباب العزة والفلاح إلا دعانا إليه ورغبنا فيه وأثابنا عليه وحقق لنا نتائجه وبين لنا أثره في أنفسنا وفي الأمم التي خلت من قبلنا، وما من سبب من أسباب الهوان وذهاب الريح إلا نهانا عنه وحذرنا منه وبين لنا سوء عاقبته في أنفسنا وفي الأمم من قبلنا. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
في الحياة الدنيا، نرى النافع المفيد يمكث في الأرض بخصائص ثابتة ويمتد مع الأجيال بلا تغير ولا انقطاع، وفي حياة أمتنا خصائص ثابتة تقوم مقام الماء في عالم الحياة، ولم يعرف التاريخ في ماض أو حاضر أن حياة قامت بغير الماء، ولم تتغير خصائص الماء في فطرته من زمن إلى زمن وإن تغير الزرع والثمر، وكل أرض هامدة قبلته اهتزت به وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
ولم يعرف التاريخ أن أمتنا انتصرت في أي معركة صغرت أو كبرت بغير الثابت من خصائصها؛ به واجهت التحديات التي فرضت علها، واجتازت العوائق التي وضعت في طريقها، وكانت هذه الخصائص دائما هي العاملة في استنهاض الهمم للأخذ بأسباب النصر في كل عصر وزمن.
الثابت في حياة أمتنا يقوم على عقيدة أصيلة راشدة، دافعة ومانعة ودافعة إلى الخير حاثة عليه، مانعة من الشر زاجرة عنه، يتفتح لها القلب فتحول بينه وبين المكابرة أو لإصرار على خطأ أو إثم صغر أو كبر.
وهذه العقيدة يوضح معالمها كتاب عزيز، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .