ومن رحمة الله بأمتنا وبالإنسانية جميعا أن حفظ لها هذا الكتاب لتحيا به النفوس وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولتجد أمتنا دائما ما تزن به أمرها وتصحح خطأها وتعالج واقعها وتهدي به إلى التي هي أقوم وتهتدي إلى صراط مستقيم، وكم هزم المسلمون وانتصر هذا الكتاب، وكم نال العدو من ديارهم ولم يستطع مغالبة حرف منه.
ترى الغالب مغلوبا أمام سطوته، والمنتصر منهزما إزاء حجته، وقد بين الله فيه معالم كل شيء، ودعا إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليرى الناس في سلوكه القرآن العملي قولا وعملا وخلقا وتطبيقا.
لقد كان القرآن وما زال مبعث حياة الأمة، به اعتصمت فتوحدت وتمسكت فاهتدت، وعاشت تاريخها بين مد وجزر؛ يعلو شأنها حين تعتصم به ولا تتفرق، ويصيبها من الهوان ما يصيبها حين تشْغَل عنه أو تعتز بغير ما أعزها الله به، بهذا الكتاب تعرف قيم الناس وتوزن أعمالهم، وبه يرفع الله أقواما ويضع آخرين، وهو ثابت لا يتغير، محفوظ بحفظ الله لا يتبدل، وأمتنا الإسلامية بخير دائما إن هي أحسنت كيف تحيا بثابت في متغير.
الثابت يحفظ شخصيتها ويبقى عليها ممتدة مع الزمن كله، ويجعلها تصمد أمام المخاطر والمغريات ونحن نرى فطرة الثبات في خصائص الأشياء التي لا يستقيم أمر الحياة إلا بها من شمس وهواء، وقمر وماء، وليل ونهار وزروع وثمار.
وتلك آيات الله في خلقه تمضي ثابتة بخصائصها لتؤدي دورها بإذن ربها في اطراد وامتداد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وثبات القرآن متميز ذو خصائص تتجدد به حياة النفوس وتمتد، والذي جعله سببا لذلك هو الذي جعل من الماء كل شيء حي.
وكثيرا ما نجد الحديث عن القرآن يتجاور مع الحديث عن الماء في كناب الله عز وجل، وهذا التجاور يلفت نظر المتدبر إلى ما بينهما من مناسبة.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوضح ذلك بقوله:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا..".