فالتجربة التربوية الأولى كانت من عند الله سبحانه، وفي غير الأرض، ثم تتعدد التجارب التي تربي الإنسان في الأرض في أحداث القرآن، وبسائل خارجة عن تجارب البشر ومعارفهم، فإذا كانت التجربة الأولى ممثلة من خليفة الله في الأرض للخير وإبليس رمزا للشر؛ فإن التجربة تتكرر في أول جريمة على هذه الأرض من ابني آدم قابيل وهايبل، وهذه التجربة توضح أن وسائل التربية للإنسان ليست هي التحذير والموعظة والتذكير دائما؛ إذ إن النفوس تتباين وتختلف، ولابد تبعا لذلك من اختلاف الوسائل والطرق التربوية؛ يقول الله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[٢] .
فالقصة تعلمنا أن النفس الشريرة إذا ما اندفعت في اتجاهها تطوع للإنسان كل جريمة من إزهاق روح بريئة، كما أن حيرة القاتل تظهر حداثة التجربة وجدتها في الأرض، وتظهر عجز الإنسان أمام التجارب والأحداث الجديدة في حياته مهما كانت قوته وجبروته وبطشه، ما لم تتعده التربية بالتهذيب والتعليم والتوجيه لطاقاته وخبراته الوجهة الصحيحة.