وكانت وسيلة التعليم والتربية في القصة أن بعث الله خلقا من مخلوقاته هو الغراب؛ ليظهر للإنسان ضعفه ويعلمه كيف يدفن أمواته.
وسواء أقتل الغراب غرابا آخر معه ثم حفر له أو جاء إلى غراب ميت فدفنه؛ فإن الله هو الذي أودع هذه الغريزة في هذا الحيوان ليعلم الإنسان وليأخذ منه العظات والعبر، وليكون وسيلة أيضا لبيان أحكام شرعية تتعلق بحماية الإنسان في الأرض.
وقد أدرك سيد البشر صلى الله عليه وسلم الناحية التربوية في هذه القصة؛ فوجه المسلمين إليها وقال:"إن ابني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلا؛ فخذوا بالخير منهما"، كما قال:"إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهم ودعوا شرهم".
والقرآن مليء بنماذج كثيرة تدل على المواقف التربوية في حياة الأنبياء والأمم التي تعاقبت على الأرض قبل الرسالة المحمدية التي جاءت خاتمة للرسالات، كاملة الأسس والأهداف والنظريات التربوية.
ويذكر مؤرخو التربية الحديثة أن البشرية قد عاشت آلاف السنين وهي لا تعرف التربية المنظمة التي نمارسها في مدارسنا أو معاهدنا التي تعتبر الأماكن المخصصة لممارسة عملية التربية، وإذا كانت التربية الأولية أو البدائية لا تمارس في حجرات الدراسة فإنها كانت تمارس في واقع الحياة من خلال المهارات التي يتعلمها الفرد عن طريق المحاكاة والتقليد من خلال ممارسات الزراعة والصيد وغيرهما، أو من خلال المعلومات التي تتبادلها الناس في حياتهم، ولم تكن تلك المهارات والمعلومات من التعقيد بمكان؛ نسبة لبساطة الحياة وقلة الحضارة وبدائية الثقافة وغير ذلك من المكونات التراثية في حياة الأمم.