وكانت التربية آنذاك من وظيفة الآباء والمجتمع الصغير الذي يعيش فيه الفرد، وكان لابد لهذه التربية البدائية من أن تتطور بتطور البشرية في سلوكها ومهاراتها ومعارفها وحضارتها، وكان لابد أن يتبع التطور والتغيير في حياة الناس المادية تطور في الأفكار والاتجاهات واختلاف وجهات النظر في أمور الحياة وطرقها ومعيشة الناس وقيمهم وأخلاقياتهم.
وتبع هذا التطور الحاجة إلى جماعة من المجتمع يهتمون بالأبناء ويقومون بواجب التربية والتعليم نيابة عن الآباء والأسرة؛ فظهر المعلم الذي يعلم أبناء مجتمعه في مكان ما من البيئة، ثم تطور الأمر إلى وجود أماكن مخصصة يتعلم فيها الأبناء أصول القراءة والكتابة وما وصلت إليه الأمة من تراث يمثل تاريخها وشرائعها، ولذلك كله نجد في بلاد الصين قبل خمسة آلاف سنة مدارس تنتشر في القرى في مبان ضيقة لا تزيد عن حجرة أو في أركان المعابد، ويتعلم الأطفال فيها الكتابة وبعض الأشعار ومبادئ الحساب، ولم تكن هناك صلة أول الأمر بين لغة التخاطب ولغة التعليم، وينتقل الطلاب من مرحلة دنيا إلى مرحلة عليا يدرسون فيها التاريخ والفلسفة والدين والشؤون الزراعية والحربية، ولأن التربية كانت خاضعة للدولة فإنها كانت تهيئ لها الموظفين الذين يعينون حسب شهاداتهم والامتحانات الدورية التي تعقد لهم، ويجتاز الطالب عدة امتحانات ليمتحن أخيرا في كلية (هان لين بوان) ، وهي أكاديمية امبراطورية في بكين؛ قاعة الامتحانات فيها تتكون من عشرة آلاف حجرة، ولكل طالب حجرة يختبر فيها ويأكل فيها ويعيش فيها؛ حيث تستمر ثلاثة عشر يوما في الأدب والأخلاق والفلسفة، ثم يعين الناجحون - بعد تلك الأيام القاسية التي عاشوها في حجرات غير صحية - في مناصب الدواة الكبرى [٣] .