أما في أوربا فقد كان لمدينة اسبرطة نظامها التربوي العجيب؛ إذ إن الدولة كانت تتعهد الطفل منذ مولده؛ فإذا أحسوا بضعفه تركوه في العراء ثم عادوا إليه بعد فترة؛ فإذا تحمل الجوع والبرد أبقوا على حياته وإلا تركوه حتى يموت بدلا من أن يشب مواطنا ضعيفا، والطفل يظل مع أمه سبع سنوات ثم يرسل إلى إحدى مؤسسات الدولة؛ ليعيش مع غيره من الأطفال تحت نظام قاس عنيف من التربية؛ ليأخذ على مظاهر التقشف والنظام، ومن يبدي منهم شجاعة وإقداما أصبح رئيسا للجماعة، وعلى الآخرين طاعته.
فالتربية في اسبرطة تهدف إلى إعداد الطفل إعدادا عسكريا في المقام الأول؛ ليقوم بوظائفه القتالية، ثم تأتي التربية الأدبية والخلقية، كما تهدف التربية العسكرية على تقوية روح الطاعة المطلقة.
أما الفضائل الإنسانية - مثل الصدق والأمانة - فهي نسبية؛ إذ إن الكذب يجوز على غير الاسبرطيين، ولا يعاقب السارق إلا إذا ضبط متلبسا بجريمته؛ لأنه فشل في إخفاء نفسه ولم يكن حريصا، وكان أغلبهم لا يتعلم القراءة والكتابة مع أنهم كانوا أذكياء.
وإذا انتقلنا إلى أثينا الدولة المنافسة دائما لاسبرطة فإنها مع اهتمامها بالشجاعة والإقدام إلا أنها لم تكن تربية عسكرية؛ إذ كانت تعمل على أن يتحلى الإنسان بالحكمة المغلفة بالعقل والابتكار الجديد في الحياة، والعمل على سعادة الإنسان وكماله الجسماني والعقلي والخلقي، وتطلب الدولة من الأسرة الاهتمام بالطفل، ويعلم الطفل السلوك الطيب والقراءة، ويحفظ مؤلفات أعظم الشعراء حيث يجد فيها النصائح والقصص ومفاخر مشاهير الرجال، والتعليم طبقي يكتفي فيه أبناء الفقراء بالمرحلة الابتدائية، ويستمر أبناء الأغنياء في اكتساب الخبرات والمعلومات وتذوق الفن [٨] .