وفي مجال المقارنة بين التربية الصينية والأثينية يقول برتراند رسل فيه:(إن التربية الصينية التقليدية كانت كبيرة الشبه من بعض النواحي بنظيرتها في أثينا في أعزّ أيامها؛ كان الصبية الأثينيون يحملون على حفظ هومر عن ظهر قلب من أوله إلى آخره، وكذلك كان الصبية الصينيون يحملون على حفظ المأثورات الكنفوشية، وكان الأثينيون يعلمون نوعا من احترام الآلهة، يقوم على المحافظة على المظاهر، ولا يضع حاجزا في طريق النظر الفكري الحر، وكذلك كان الصينيون يقيمون طقوسا خاصة، تتصل بتقديس الأسلاف، من غير أن يجبروا بحال على اعتقاد ما كان منطويا في تلك الطقوس) .
أما الرومان فمع عراقة دولتهم لم تكن لهم نظريتهم التربوية المميزة، ومرت التربية عندهم بمراحل؛ وشملت الاهتمام بالدين والأخلاق والرياضة وفنون القتال، ثم ظهرت المدارس النظامية التي تعلم مهارات الحياة العملية وإعداد المواطن البليغ خطابة والفصيح بيانا، وفي الثقافة العالية الملم بصنوف المعرفة والمهارات الفلسفية والقانون والسياسة والحرب والذي يتولى أرفع المناصب في الدولة [٩] .
وقد عاشت أمم الشمال والغرب من أوربا في ظلام الجهل والأمية والحروب الدامية؛ لم ينبثق منها فجر الحضارة والعلم بعد، ولم تظهر على مسرحها الأندلس العربية الإسلامية لأداء رسالتها في العلم والمدنية، وكانت بمعزل عن ركب الحضارة الإنسانية يقول عنها هـ- ج. ويلز:(لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر، وكان هذا الليل يزداد ظلاما وسوادا، قد كانت همجية ذلك العهد أشد هولا وأفظع من همجية العهد القديم؛ لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقضي عليها بالزوال، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي - كإيطاليا وفرنسا فريسة - الدمار والفوضى والخراب)[١٠] .