للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان المعلم الأول الذي أرسله الله إلى البشرية ليعلمها الكتاب والحكمة ويزكيها، وكان عليه الصلاة والسلام المطبق الأول لتعاليم السماء والمنهج الإلهي سائرا على الأرض؛ فقد وصفته أم المؤمنين بأنه كان خلقه القرآن، وكان القدوة الحسنة لأصحابه؛ يعلمهم بالموعظة الحسنة والتجربة الفعلية والتوجيه النافع وقت الشدائد والمحن، ولمعرفته لأهمية المعلم والتعليم في التربية والدعوة أرسل مصعيب بن عمير مع أهل يثرب حين آمنوا ليقوم بواجب التعليم والتربية والدعوة إلى الله.

وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب؛ فكان مسجده صلى الله عليه وسلم جامعة المسلمين الكبرى ومركز الدعوة إلى الله فيها؛ يتعبد الناس، وفيها يبلغ الرسول عن الله، وفيها ينزل التشريع منظما للمجتمع الجديد، وفيها يقابل السفراء والوفود، ومنها تخرج الجيوش حاملة لواء الدعوة، وإليها تتجه أنظار القبائل والدول والأمم، وكان القرآن - والقرآن وحده - هو منهج تلك الدراسة وهدفها ووسيلتها وغايتها، وكان نتائج ذلك المنهج ذلك الجيل القرآني جيل الصحابة المميز في تاريخ الإسلام كله والبشرية جمعاء؛ ذلك الجيل الذي رباه الرسول صلى الله عليه وسلم على كتاب الله لتخلص نفوسهم له وحده، ويستقيم عودهم على منهجه وحده؛ جيل خالص القلب والعقل والتصور والشعور والتكوين المجرد من كل المؤثرات غير منهج الله الممثل في القرآن.

أما وسيلته إلى ذلك فقد كان القرآن وحده؛ باعتباره النبع الذي يسقون منه ويتكيفون به ويتخرجون عليه، مع وجود المؤثرات من حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي مازال في أوربا، ومن حضارة الإغريق ومنطقهم وفلسفتهم وفنهم الذي مازال نبع الغرب، ومن حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها وحضارات أخرى.