وكذلك الحال من جانب الراشي؛ إذا لم يكن له حق فيما يطلب، ولا طريق عنده للوصول لما يريد لمنعه منه وتحريمه عليه وعدم استحقاقه إياه؛ فإنه يعمد إلى الرشوة ليتدلى بها متخفيا كتدلي الدلو ظلمة البئر حتى يصل إلى ما يريد.
فظهر بهذا قوة الصلة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للرشوة.
وكذلك السحت، إذا كان أصله كلب الجوع وشدته فإن الصلة قوية بينه وبين أكل الرشوة؛ لأن من تعودها - والعياذ بالله - فإنه لا يشبع قط، ولا يكف يده عنها من أي شخص فقير كان أو غني، ضعيف محتاج للمؤنة أو مستغن قوي، إنما همه هو أن يأخذ ويقذف في جوفه السحت لملء فراغه، ولكن ذاك الجوف كالجحيم يقول: هل من مزيد.
وكذلك البرطيل، لقد قيل إنه الحجر الطويل، وإنها لتسكت آكلها عن الحق كما يسكته الحجر، وهذا معنى ظاهر.
ولكن ما قاله صاحب القاموس من أنه الترطيل تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله؛ فإن هذا المعنى أوضح؛ لأن الراشي يلين الطريق لنفسه ويمهده كي يصل إلى مطلبه بسهولة، كمن يمر على شعر مدهون ومن جانب المرتشي؛ فإنه يلين الكلام معه وييسر الطريق له ويسترسل معه في باطله استرسال الشعر في اليد، ويسترخي لسماع قول الراشي استرخاء الشعر المدهون الممشط، أي إنه فقد شخصيته وأسقط إرادته واسترخى في دينه وأمانته، واسترسل في باطله حيث أراده الراشي؛ عياذا بالله!.
نظرة في هذه الألفاظ:
يعتبر بعض العلماء أن هذه الألفاظ - رشوة، سحت، برطيل - هي من قبيل الترادف الذي هو ترادف الألفاظ على معنى واحد، ومثل السيف والمهند والصمصام والبتار، ومثل الأسد والهزبر والغضنفر.