- وأساليب الدعوة الإسلامية أساليب أدب وعفة.. ليس فيها ما يخدش الحياء أو ينافي الفضيلة، أو يساعد على تحريك الغرائز الحيوانية الممقوتة في الإنسان. وإذا تعرضت هذه الأساليب إلى تصوير بعض المواقف التي تلعب فيها الغريزة الحيوانية بعض أدوارها لإظهار الصراع بين الخير والشر للعظة والتبصرة ... فإنها سرعان ما تسد النوافذ التي قد تطل منها تخيلات دنيا، فنراها تنتقل بالنفس على الفور إلى آفاق من السمو والرفعة، وتفتح لها طاقات من النور والروحانية ... يتلاشى معها ما قد يكون علق بالنفس من شوائب تلك التخيلات، ففي قصة يوسف عليه السلام هذا الموقف الذي تصوره هذه الآية {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(يوسف آية ٢٣) . فهنا تشتمل الآية على عدد من الجمل، نصفها الأول جاء لتصوير موقف امرأة العزيز من يوسف عليه السلام حيث تراوده عن نفسها {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} ، وتسد عليه النوافذ كيلا يهرب منها {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} وتأمره صراحة بفعل الحرام {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} وذكر هذه الأمور قد يفتح باب النفس البشرية أودية من التصورات مما يتوجب على الأسلوب الحكيم أن يطمس هذه التصورات، ويسد هذه الأودية حتى لا تؤثر في النفس أثرها السيئ. وهذا هو ما صنعه القرآن الكريم حيث سارع بإيراد موقف يوسف بعد إيراده موقف امرأة العزيز بدون فصل، وفي آية واحدة، في هذه الجمل الثلاث التي تحمل معاني الخشية من الله، والأمانة على العرض، والحذر من الهلاك ... وهي قيم رفيعة، ومثل عليا، وروحانية صافية من شأنها أن تنتقل بالنفس من مواقف المادية والجنسية والمراودة.. إلى آفاق الروحية، والطهر والعفة.. واستشعار النفس للإحاطة الإلهية والمراقبة الربانية