ولعظيم شأن العقيدة في النفوس، وما يترتب عليها من آثار خطيرة في سائر حياة الإنسان.. فلقد استحوذت أساليبها على نصيب كبير في القرآن الكريم، بل كادت أن تكون كله، إذ أنه ما من جزء أو سورة، أو آية خلت من الدعوة إلى العقيدة صراحةً أو ضمناً.
ولقد جاءت هذه الأساليب متنوعة، وبهذه الكثرة.. لتقرير العقيدة وتثبيتها ... من ناحية وبيان أهدافها وأغراضها وآثارها من ناحية أخرى. واتخذ القرآن لبيان ذلك طريقين:
أحدهما: إيجابي، وهو يتمثل في بيان العقيدة الصحيحة، وتفصيل عناصرها، والاستدلالات عليها وبيان آثارها، وصفات أهلها ...
وثانيهما: سلبي، ويتمثل في بيان العقائد الفاسدة، وأنواعها، والاستدلال على فسادها وبيان آثارها، وما يتصف به أهلها ...
ومن هنا نستطيع القول بأن منهاج عرض العقيدة الإسلامية في القرآن إنما هو منهج كامل واضح، وذلك بتجلية العقيدة بالطريق الإيجابي المتمثل في بيانها وتفصيل أمرها.. ثم بإيراد ما يضادها من العقائد الأخرى الفاسدة، والقرآن بهذا يضع الحقيقتين المتضادتين بجانب بعضهما، ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويتضح الليل من النهار، والعمي من الإبصار.. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ..}(الأنفال آية ٤٢) .
وبضدها تتميز الأشياء وهكذا لم يعد هنا عذر لمعتذر، ولا ريبة لمرتاب، إلا من ختم الله على قلبه وجعل الغشاوة على سمعه وبصره.
ولنضرب بعض الأمثال على ما ذكرنا فيما يلي:
فمن الطريق الأول: قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ... }(البقرة آية ٢٨٥) .