وفي الوقت نفسه خرج جرجة من صفوف الروم حتى وقف بين الصفين، ونادى ليخرج إلي خالد فخرج خالد إليه، وأناب أبا عبيدة عنه، والتقى الرجلان بين الصفين، وسأل جرجة خالد عن سبب تسميته سيف الله، فأخبره خالد بأن الرسول هو الذي سماه بذلك ودار بين الرجلين حديث طويل أسلم جرجة على أثره، وتبع خالداً إلى خيمته ليعلمه الإسلام.
موقف عكرمة من هجوم الروم:
ظن الروم أن جرجة خمل على المسلمين، وأنه في حاجة إلى المدد، فحملوا على المسلمين حملة أزالتهم عن مواقفهم، وثبت لهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، وكانا على حامية فسطاط خالد، ولما رأى عكرمة تراجع المسلمين قال: قاتلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل موطن، وأفر منكم اليوم، ثم نادى في المسلمين، من يبايع على الموت؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور ومعهما أربعمائة من أبطال المسلمين وفرسانهم، ودافعوا عن الفسطاط حتى أثبتوا جميعاً جراحاً، وقتلوا إلا من برأ وكان منهم ضرار بن الأزور [١٥] .
وتراجعت الروم أمام ثبات عكرمة وأصحابه، ورأى خالد تراجع الروم فزحف بقواته يرافقه جرجة على جيوش الروم المنهزمة، وظل يضرب فيهم بسيفه ومعه جرجة يضرب ويقتل من طلوع النهار حتى مالت الشمس إلى الغروب، وقاتل كل فريق من المسلمين تحت رايتهم حتى صارت الروم تدور كأنها الرحا.
يقول ابن كثير: فلم تر في يوم اليرموك إلا مخًّا ساقطاً، وعصماً نادراً، وكفاً طائرة [١٦] .