وكان يزيد بن أبي سفيان من الذين ثبتوا ولم يفروا، وقاتل قتالاً شديداً، لأن أباه مر به، وذكره بما يجب عليه وعلى أمثاله من الأمراء، وأمره بالصبر والثبات، ورغبه فيما عند الله من الأجر والمثوبة، فأجاب يزيد، أفعل إن شاء الله [٢٠] .
وهذه الرواية ترد رواية ابن الأثير التي رواها عن عبد الله بن الزبير، وفيها يتهم أبا سفيان ورجالاً من مكة يسميهم مهاجرة الفتح، بأنهم تنحوا عن الميدان، وظلوا بعيداً يتربصون بالمسلمين فإذا ركب الروم المسلمين قالوا: إيه بني الأصفر، وإذا غلب المسلمون يقولون: ويح بني الأصفر.
تدل هذه الرواية على تجنب أبي سفيان المعركة، وأنه لم يشترك فيها، ولكن ابن الأثير نفسه يذكر ما يكذب ذلك، حيث يروى بعدها مباشرة وفي الصحيفة نفسها أن عين أبي سفيان قد أصيبت في المعركة، وذلك أمر مجمع عليه من المؤرخين، فكيف يكون أبو سفيان بعيداً عن ميدان المعركة يتربص بالمسلمين، وكيف يصيب سهم في عينه فيفقؤها وينتزع السهم من عينه أبو حثمة [٢١] .
ويروي ابن كثير عن سعيد بن المسيَّب عن أبيه قال: هدأت الأصوات يوم اليرموك فسمعنا صوتاً يكاد يملأ المعسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين قال: فنظرنا فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه يزيد [٢٢] .
أين كان أبو سفيان وهو ينادي نصر الله؟ وهو يطلب الثبات من المسلمين؟ هل كان يطلب الثبات وهو هارب من الميدان؟ وهل يليق برجل كأبي سفيان أحد زعماء قريش أن يطلب الثبات من المسلمين ويفر هو خارج المعركة؟ ومن الذي يصيح بالمسلمين ليثبتوا ثم يرى بعد ذلك بعيداً عن الميدان؟.
أغلب الظن أن الرواية مكذوبة على أبي سفيان، فقد أجمع المؤرخون على أنه كان واعظ الجيش وروى عنه المؤرخون كلمات في الحض على القتال والحث على الثبات تثير إعجاب كل من قرأها أو سمع بها.