ولكن السيوطي في نقله مثل هذا الخبر لم يعلق عليه بما ينقضه أو يوضح غرابته أو يشرحه بما يساعد القارئ على تفهم مثل هذه المبالغة في الوصف وربما ترك ذلك لفطنة القارئ، لأن الخبر بهذه الصورة يكون مبالغاً فيه بطريقة قد يستنكرها القارئ وخاصة فيما يتعلق بوصول الكتاب في يوم واحد من الإسكندرية إلى أسوان مهما كانت الوسيلة التي استخدمت حينذاك لتنقل مثل هذا الكتاب، على أن إقامة متقاربة متصل بعضها ببعض في العصر الإسلامي لنقل البريد كان أمراً معروفاً ومطروقاً ولكن لم يصل للدرجة التي يقطع مثل هذه المسافة في يوم واحد، وربما مثل هذا الخبر يدخل في باب المسامرة التي أرادها الإمام السيوطي بكتابه، وهو يجهد نفسه في ذكر كثير من الروايات والرجوع إلى عديد من المصادر في موضوع واحد بقصد أن يوف الموضوع حقه من العرض والدراسة.
وإذا كانت حياة العلماء بهذا المستوى الرفيع من التوسع والدقة والاهتمام في تسجيل الأحداث التاريخية والمعارف والعلوم الدينية وغيرها فإنه ينم أيضاً على مستوى حضاري عالي، ويشير إلى مقدرة في التفكير السليم، مما يساعد على توجيه الدارسين بصفة عامة ويساعد على تأكيد وجود السلوك الإسلامي والخلقي لدى هؤلاء الدارسين مما يكسبهم الخبرة والقدرة على الفهم والاستيعاب بسهولة، وهو ما اهتم به التربويون في العصور الأخيرة من أن التاريخ مادة من مهامها تدريب الذاكرة، وتقوية الخلق والفضيلة، وحل المشكلات الحاضرة [٩] .
وفي دراسة التاريخ الإسلامي من مظانه الأولى معين لربط الدارسين على مناهج الدعوة الإسلامية، لأنه سجل هام لأمة الإسلام على مدى تاريخها، بتجاربها وخبراتها وتراثها الذي أثرى العالم بصفة عامة، وكان معيناً هاماً انكب عليه الغرب الأوربي فاستفاد منه وبنى عليه دعائم أساسية من حضارته العلمية.