وبعد الست سنوات الأولى توانى عثمان رضي الله عنه، واستعمل أقرباءه على الأمصار، وعزل كثيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أقربائه. قال الزهري وكتب لمروان بخمس إفريقية، وأعطى أقربائه وأهل بيته المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا في ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي. فأنكر الناس عليه ذلك، وفي السنة الأخيرة من خلافته وهي سنة خمس وثلاثين، كثرت شكاوى أهل الأمصار، ولاسيما أهل مصر، من ولاتهم، وكانوا يطلبون من عثمان أن يعزلهم فلا يعزلهم، وجاء أهل مصر يشكون واليهم الأموي ابن أبي سرح، فكتب إليه عثمان كتاباً هدده فيه طالباً منه أن يكف عن الرعية ظلمه، فلم ينته ابن أبي سرح عما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان حتى قتله. وعندئذ تجمع كثير من الغوغاوين وأوباش الناس، وجاءوا إلى المدينة، وطالبوا الخليفة بخلع ابن أبي سرح، فاستجاب لهم وخلعه وولى محمد بن أبي بكر الصديق بدله، وكتب إليه كتاب العهد، وأمره أن يتوجه إلى مصر، فسار محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر في ركب من الناس، وفي أثناء الطريق شاهدوا غلاماً أسود على بعير يخبطه خبطاً، كأنه طالب أو مطلوب، فرابهم أمره فأوقفوه وسألوه من أنت؟ فمرة يقول أنا غلام أمير المؤمنين ومرة يقول أنا غلام مروان، فقال له محمد بن أبي بكر إلى من أرسلت قال إلى عامل مصر، قال بماذا؟ قال برسالة، قال معك كتاب؟ قال لا. ففتشوه فوجدوا الكتاب في إداوة قد يبست ففتقوها وأخرجوا الكتاب فاجتمعوا عليه وقرأوه، وإذا فيه: إذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل في قتلهم، وأبطل كتابه، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجيء إلي يتظلم منك ليأتيك أمري في ذلك.