ولا يعني هذا أن الشعر لم يتطور منذ الفترة المعروفة من العصر الجاهلي، فقد شهد بعض التطور في العصر الأموي، إذ تغيرت بعض موضوعات الشعر، وتطور بعضها الآخر، وظهرت أصداء الحياة الإسلامية في شعر الفتوح وشعر الطوائف السياسية. ولوَّن الشعراء الكبار -ولا سيما جرير والفرزدق والأخطل- قصيدة المديح بألوان جديدة مستمدة من نظرية الدولة الأموية في الخلافة، ومن الظروف المعيشية آنئذ، وثبَّت جرير ألواناً حديثة من قيم المديح استقاها من الإسلام، أما الجانب الفني في القصيدة فالتجديد فيها قليل الشأن إذ بقيت هندسة القصيدة على حالها، وظلت وسائل التصوير بمستواها القديم وطريقتها القديمة، ولم يتطور القاموس الشعري إلا عند الشعراء الغزليين كعمر بن أبي ربيعة وكثيّر، وبقيت الأوزان الشائعة في قصائد العصر الجاهلي مستعملة بالنسبة نفسها تقريباً في العصر الأموي [٢] اللهم إلا المقطوعات التي نظمها عمر بن أبي ربيعة في الغزل على أوزان خفيفة والأدوار التي تغنى بها المغنون، وإلا المقطوعات التي أنشدها المجاهدون في معارك الفتح..
وهكذا يمكننا القول: إن ملامح التجديد في العصر الأموي يسيرة وإن أثرها في شكل القصيدة وبنائها الفني محدود، في حين أنها أكثر وضوحاً في موضوعها ومضمونها [٣] .