للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} أي لأنه المتفضل بكل نعمة، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} أي من قبلك ومن عملك أنت إذ لا تصيب الإنسان سيئة إلا بما كسبت يداه كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وسيأتي إن شاء الله تحرير المقام في قضية أفعال العباد بما يرفع الإشكال في سورة الشمس في الكلام على قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ، والعلم عند الله تعالى.

ـ قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} قيد في هذه الآية الرقبة المعتقة في كفارة القتل خطأ بالإيمان، وأطلق الرقبة التي في كفارة الظهار واليمين عن قيد الإيمان حيث قال في كل منهما: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ولم يقل مؤمنة؛ وهذه المسألة من مسائل تعارض العارض المطلق والمقيد وحاصل تحرير المقام فيها: أن المطلق والمقيد لهما أربع حالات:

الأولى: أن يتفق حكمهما وسببهما كآية الدم التي تقدم الكلام عليها؛ فجمهور العلماء يحملون المطلق على المقيد في هذه الحالة التي هي اتحاد السبب والحكم معا، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية لأنهم يثبتون ثم يحذفون اتكالا على المثبت كقول الشاعر، وهو قيس بن الخطيم:

ـدك راض والرأي مختلف

نحن بما عندنا وأنت بما عنـ

فحذف راضون لدلالة راض عليها، ونظيره أيضا قول ضابئ بن الحارث البرجمي:

فإني وقيارا بها لغريب

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

وقول عمرو بن أحمر الباهلي:

بريئا ومن أجل الطوى رماني

رماني بأمر كنت ووالدي

وقال بعض العلماء: إن حمل المطلق على المقيد بالقياس، وقيل: بالعقل وهو أضعفها، والله تعالى أعلم.