وبعد أن صلينا الظهر وتناولنا طعام الغداء، وكان معنا الأستاذ خليل الحامدي، نمنا إلى أن أذن صلاة العصر، صلينا العصر في مسجد الجماعة ثم ذهبنا لزيارة الأستاذ المودودي في داخل المدينة وكان وصولنا إلى منزله في تمام الساعة السادسة مساء، وكان عنده بعض الزوار، ولم ننتظر في غرفة الانتظار إلا دقيقتين تقريبا فخرج الذين كانوا عنده فدخلنا نحن إلى الغرفة الصغيرة التي انطلقت منها صيحات إنذار الأستاذ المودودي منذ أكثر من ثلاثين سنة، وفيها ربى رجاله الذين رأى فيهم ثمار تربيته في حياته. لم أكن قد رأيت الأستاذ المودودي شخصيا على رغم أنه زار الحجاز وزار المدينة المنورة وأنا موجود فيها عندما كنت طالبا بالجامعة الإسلامية في كلية الشريعة بها التي هي أول كلية أنشئت بالجامعة الإسلامية، لأني في تلك الفترة لم أكن قد قرأت كتب المودودي بإمعان، وإن كنت مررت مرورا سريعا ببعضها ولكن بعد ذلك قرأت غالب كتبه فرأيت فيها عمق التفكير وتشريح الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية، وبيان الجذور التي أثمرت هذا الواقع داخلية كانت أم خارجية، ثم الدعوة إلى تغيير هذا الواقع الأليم بأسلوب الإسلام في الدعوة والتربية والتكوين وإقامة راية الإسلام بإقامة نظامه الذي طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار بعدهم على هديهم.
كما سمعت عن المودودي أنه يطبق ما يدعو إليه فعلا فتعرض للمخاطر والمضايقات والسجون والمعتقلات وهو واقف كالجبل الأشم الذي لا تحركه عواصف الامتحان والابتلاء من قبل قوم أذاقوا المسلمين وبالا وشعوبهم فناء، كل ذلك جعلني أشتاق للقاء عملاق الفكر الإسلامي الذي أنجب أمة عاهدته على السير في طريقه الذي هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ألا وهو الدعوة إلى الله على بصيرة مع الصبر على الأذى مهما كان ذلك الأذى.