للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن في القلب عقدة صغيرة في جدار الأذينة هي العقدة الجيبية، أودعها الله سراً ذاتيا بأن تكون مبدأ التنبيه، أو نقطة الانطلاق التي تخرج منها التنبيهات بمعدل (٨٠) مرة في الدقيقة، ولكن قد يتغير عددها حسب حالات كثيرة، ثم ينتقل التنبيه ضمن الحزمة الأذينة البطينية، ثم إلى محطة أخرى هي العقدة الأذينية البطينية، ثم إلى حزمة هيس فالغصنين، ثم أغصان بوركنج، فينقبض القلب الممتلئ بالدم إلى أماكنه المخصصة لها، ليعود بالأوردة إلى القلب من جديد. وهكذا في دوران مستمر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

والعبرة ليست في عملياته المتلاحقة، وإنما في هذه العقدة الصغيرة، التي أسكنها نظما ذاتيا بقدرته لتطلق هذه التنبيهات، فتحدث هذه المراحل، ولو أمرها الله بالتوقف لوقفت الحياة، فكيف تكفر بعد هذا يا أيها الإنسان الجحود؟ أفلا تبصر قلبك لترى هذا العضو الصغير الذي خلقه الله تعالى بقدرته، وقال له منذ أن ظهرت الحياة على ظهر الأرض، أطلق تنبيهاتك بأمرنا، حتى قدرك المحتوم، وعندها نقول لك كُفَّ عن التنبيه فقد حان الأجل المحتوم تباركت يا رب في عليائك وسمائك، كم أنت عظيم في خلقك ما أعظمك.

فكيف لا تبصر أيها الإنسان وتفكر، وتتدبر في هذا الجرم الصغير الموجود في القلب، وكيف لا تبصر هذا المولد الذاتي الذي يعمل من تلقاء نفسه بمشيئة الله، ويا أيها الملاحدة انظروا في أجسادكم، انظروا في أنفسكم، انظروا في قلوبكم، يا من لستم قادرين على أن تخلقوا ذبابة، انظروا إلى هذا الجرم الصغير وتفكروا، تجدوا أنكم لا تملكون إلا أن تطأطئوا رؤوسكم خاشعين أذلة، أمام عظمة الخالق الذي بيده مقاليد كل شيء، أتعلم أيها الإنسان أن دواءك فيك ما تبصر.

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء/ ٣٦.