ولعلنا لا نستطيع أن نمضي في الحديث عن هذا القرن الجديد، إلا إذا تحدثنا عن القرون القريبة الماضية، فالمستقبل حلقة من حلقات التاريخ متصلة بالحاضر، والحاضر حلقة متصلة بالماضي، ولا يمكن أن ندرك الحاضر ولا أن ندرك المستقبل المرقوب إلا إذا مررنا بالماضي نستشف أحداثه، ونعرف ما جرى فيه من تغير في أحوال المسلمين بعد أن كانوا هم الأمة، بعد أن كانوا هم القوة في الأرض، بعد أن كان لا يبرم أمر في الأرض إلاَّ برضاهم أو بمشورتهم، أو يغضبون فتهتز الأرض كلها.
كيف تغير الحال؟ كيف صار المسلمون إلى الذل والهوان والتشريد الذي يعيشونه اليوم؟ يُقَتَّلون في كل مكان في الأرض، يعذبون.. يشردون.. يطاردون.. تنتهك أموالهم وديارهم وأعراضهم.. بل تنتهك أرواحهم وقلوبهم.. وتحْشى بأفكار ليس بينها وبين الإسلام صلة، وبأمور مخالفة تمام المخالفة لدين الله. كيف حدث ذلك وقد وعد الله المؤمنين من هذه الأمة بالاستخلاف والتمكين والتأمين، حيث قال سبحانه وتعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}(النور ٥٥) نعم، هنالك في الآية وعد من الله سبحانه وتعالى بالاستخلاف والتمكين والتأمين، ولكن الوعد مقرون بشرط {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} . إن هذا هو الشرط الذي اشترطه على هذه الأمة، والذي تكفل في مقابله أن يمنح هذه الأمة بركته ونصره وتأييده وعونه في الاستخلاف والتمكين والتأمين.
"يؤمنون"و "يمكن دينهم في الأرض"و "يصبحون هم الخلفاء"أي هم القوة التي تسيّر أمر هذه الأرض.