للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد أن يستولي الجيش على عدد من الحصون والقلاع الواقعة على نهرالدانوب ينتهي يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة الموافق (٢٨-٨-١٥٢٦) إلى وادي موهاكس، وهناك يبدأ تعبئة تدل على البراعة الفائقة في الفنون العسكرية ... لقد جعل ثلاثة خطوط وكمن السلطان ومعه جميع المدافع في الخط الخلفي، ثم نشبت الحرب وحمي الوطيس، وانقض مقاتلة المجر الأشداء المعروفون بالشجاعة والبأس على جنود الخط الأول العثماني، وما هي إلا جولات قصيرة حتى تراجع العثمانيون إلى ما وراء مواقع المدفعية ... وما أن أقترب الجيش المجري من المواقع حتى قصفته المدفعية قصفا شديدا، فأذهلته عن نفسه، وملأته رعبا، وأجبرته على التقهقر، وعندها حمل عليه جند الله حملات صاعقة أتوا خلالها على أكثر فرسانه، وفي جملتهم ملكهم الذي هلك ولم يعثر لجيشه على أثر، ومن لم يقتل من هؤلاء هام على وجهه يلتمس النجاة بعار الفرار، وهكذا تحطم الجيش المجري، وضاع استقلال البلاد التي سقطت بأيدي المسلمين ... وسار سلطانهم وألوية النصر تخفق فوق رأسه حتى دخل العاصمة في ثالث ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وكانت تسمى (بود) وهي بودابست اليوم. واجتمع الأعيان ورجال الدين وقدموا إليه مفتاح العاصمة علامة خضوع واستسلام، ويأبى الفاتح المسلم شأن ذوي النفوس الكبيرة المؤمنة، إلا أن يكون كريما في معاملة الذين كانوا إلى أيام خلت خصومة الألداء، فيعفوا عنهم، ويؤمنهم على أموالهم ونفوسهم وذراريهم، ويتوج عليهم ملكا من بني دينهم، هو (جان زابولي) أمير ترانسلفانيا.

وبعد أن يطمئن السلطان إلى سلامة التدابير التي اتخذها، يعود إلى عاصمته استنبول يحفه النصر ويحدوه الجلال، وقد بر بوعده الذي وعده للعاهل الفرنسي، وتوج ملكا، وبسط حكم الآستانة على مملكة جديدة من ممالك أوربة الشرقية ...