كانوا يقرؤون القرآن ويتدارسونه بالليل ليتعلموا فأعدت نفوسهم بالقرآن إعداداً يواجه الحياة بسرائها وضرائها بيسرها وعسرها، في ثبات لم تتبدل نفوسهم بتبدل الأحوال ولم تتغير بتغير العوارض، يقول عتبة بن غوان وهو يخطب الناس في البصرة وكان أميراً عليها لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مالنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فأخذت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فأتزرت بنصفها وسعد بنصفها فلم يصبح منا أحد إلا وأصبح أميراً على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. هذا حالهم في العسر وهم رجال في جميع الأحوال لا تتغير نفوسهم بتغير الأحوال.
وبعد مرة أخرى فإن المسلمين لا يستطيعون في كل زمان ومكان أن يواجهوا قضايا عصرهم وزمانهم إلا بالقرآن، يعتصمون به في روابطهم ويقيمون أحكامه في حياتهم ويجاهدون به أعداءهم ويصلحون به دنياهم، ويستقبلون به آخرتهم ولقد اقتضت سنة الله في خلقه أن تكون هداية الله سبباً لنجاتهم {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} . ولقد أدرك جيل القرآن الأول منذ اللحظة الأولى أن أقوى العدة والعتاد في مواجهة أعدائهم أن ينتصر دين الله في نفوسهم، وأن يكونوا أهلا لنصر الله فإذا تخلف عنهم بحثوا في عيوب أنفسهم، وهم يعلمون أن الذنوب أخطر على المسلمين من العدو وعلى أنفسهم، ولقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتابا إلى سعد بن أبى وقاص لما أرسله إلى فتح فارس جاء فيه: